الأديغة (بالأديغية: Aдыгэ) ينحدر الأديغة من العرق الآري، ويعتقد أن الإغريق هم أول من أطلق على جميع شعوب شمال القفقاس اسم شركس[4]، إذ ليس لكلمة شركس أصل في اللغة الأديغية كما أنه ليس نابعًا منهم ولا من ثقافتهم.[5][6][7] أما اليوم فيشار بكلمة شركس إلى الأديغة فقط من شعوب شمال القفقاس، ففي عام 1991 أوصى المؤتمر العلمي الذي عقد في مايكوب تحت عنوان «نحن أديغا شركس» باعتماد اسم «أديغا» لتحديد الهوية إن كان باللغة الشركسية واسم «شركس» إن كان باللغة الروسية أو اللغات الأخرى. واستنادا إلى هذه التوصية أقر المؤتمر الشركسي الأول الذي عقد في نالشك في عام 1992 توحيد الاسم العرقي للشراكسة.[8]
على الرغم من أن الموطن الأصلي للأديغة هو في غرب منطقة شمال القوقاز، إلا أن أكثر من نصفهم يعيش اليوم في تركيا، بينما بقي ربعهم في شمال القوقاز (قراتشاي-تشيركيسياوقبردينو-بلقارياوأديغيا وأيضًا في السواحل الشمالية الغربية للقوقاز على البحر الأسود)، والربع المتبقي في بلدان المشرق العربي.
الثقافة الأديغية
شركسي في القفقاس من القرن الثامن عشر بملابسه التقليدية بكامل سلاحه
الأديغة شعب مقاتل منذ القدم، وقد تضمنت أعرافهم حمل السلاح والتدرب عليه بالنسبة للشباب. وقد عرفوا عبر التاريخ بقتالهم إلى جوار جيوش عديدة منها جيوش الفرس والروم البيزنطيينوالقبيلة الذهبية،[9] كما كانوا ممثّلين بكثرة في مماليك تركيا ومصر.
كلمة نارت كلمة ذات جذور إيرانية يُقصد بها على الأرجح «بطل» أو «إنسان».[13] وأساطير نارت هي عبارة عن سلسلة من القصص التي تعود أصولها إلى منطقة القفقاس الشمالي، وهي تمثل الأساطير الأساسية للمجموعات البشرية التي تسكن المنطقة؛ بعضها مجرد قصص بسيطة، لكن لبعضها الآخر قيمة أسطورية تاريخية باعتبارها إبداعًا أسطوريًا قديمًا. وينسب أول تدوين لها باللغة الروسية إلى الكاتب الشركسينغومه شورة الذي دونها ما بين عامي 1835 و1843، ونشرت بعد وفاته عام 1861. ظهرت ترجمتها الألمانية عام 1866 والعربية نحو عام 1980.
النسخ الأكثر شهرة والتي تعرض للدراسة الجادة هي تلك التي جاءت من الفلكلور الأوسيتي والشركسي، ثم الأبخازي والأبازي. كما تظهر الملاحم النارتية في فلكلوري القرشاي ـ بلقار والشيشان والأنغوش.[13][14]
علم أديغيا في روسيا الإتحادية، هو حقل أخضر مع اثنتي عشرة نجمة ذهبية، تسعة منهم يشكلون قوساً، والثلاث الأخريات موضوعات بشكل أفقي. وفي الوسط ثلاث أسهم متقاطعة.
اللون الأخضر للعلم يرمز إلى لون ربيع أرض الوطن، الاثنتا عشرة نجمة تمثل قبائل الأديغة مع التشديد على أنها متماثلة تماماً كرمز للمساواة في الوحدة، والأسهم الثلاث ترمز إلى أنهم شعب مسالم لا يؤمن بالعنف إلا للدفاع عن نفسه وأرضه.[15]
النموذج الأصلي للعلم رُسِمَ عام 1830 على يد الأمير الشركسي سفربي زان.[15] التصميم تم استخدامه من قبل الأديغيين في القرن الـ19 عندما حاربوا الإمبراطورية الروسية. وتم تبني العلم الحالي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 23 مارس 1992.
يشتهر الشركس بالرقص الشركسي، وهو نوع من الرقص الرقيق بالنسبة للفتاة والرجولي بالنسبة للشاب، وهو رقص نبيل ومحتشم، حيث يندر أن يتلامس الراقصون بأي شكل من الأشكال أثناءه. كما أن لحفلات الرقص التي تتم غالبًا أثناء الأعراس أو المناسبات أو السهرات أعرافًا وتقاليد معروفة لا يجوز تجاوزها، ورغم ما تتعرض له من تأثيرات معاصرة، إلا أنها ما تزال تحافظ على حدود معقولة من التمييز والالتزام.[16]
أما عن اللباس الشركسي التقليدي فقد أصبح نادرًا جدًا هذه الأيام سواء بالنسبة للنساء أو للرجال، وتحول إلى زي فلكلوري تعتمده فرق الرقص الفلكلوري الشركسي فقط، وربما يرتديه البعض في حالات خاصة أثناء الاحتفالات أو المناسبات.[16] بالنسبة إلى ملابس النساء الشركسيات، فهي تمتاز بزخارف مميزة ذات مستوى فني رفيع، وبالنسبة للرجال فيعد الخنجر الشركسي أو القامة بنصله الحاد الذي لا يحتوي على واق لليد عند مقبضه، والذي يعرف باسم الساشقوا، رفيق الزي الشركسي الفلكلوري للرجل إضافة إلى القبعة الصوفية أو القلبق الشركسي الشهير، وهو الزي الوحيد الذي ما يزال حاضرًا ولو بندرة على رؤوس الرجال الشراكسة،[16] إضافة إلى الساكوا المعطف السميك للوقاية من البرد.
حياة الأديغة
الأديغة شعب جبلي، لذا فقد مارسوا منذ القدم تربية المواشي واشتهروا بصناعة الجبنة الشركسية اللذيذة التي تجد الرواج والإقبال الكبير في روسياوتركيا وجميع البلدان التي هاجر إليها الشراكسة، واشتهروا بإنتاج العسلالقوقازي الشهير، كما كان الصيد في الأماكن المرتفعة يمدهم بحاجاتهم من اللحوم. اعتمد الأديغة في وجباتهم التقليدية على الخبزوالأرز المطبوخ مع اللحموالتوابلوالحليبوالأجبانوالبقولوالفواكه ومن مرق اللحم الكثيف مع الطحينوالحليبوالجوز. ومن أشهر أكلاتهم شبس باستة والمامرس.
حافظ الأديغة على مجتمعهم ولغاتهم وتقاليدهم ضمن محافظتهم على الخابزة، أينما حلوا إلى أن تزايد انخراطهم في المجتمعات المحلية التي سكنوها بدءً من ستينيات القرن العشرين، وتراجع بشكل ملحوظ عدد الشباب المتحدثين بلغتهم الأصلية، كما أخذت العادات والتقاليد المتعلقة بكثير من نواحي الحياة في التغير والتأقلم مع ظروف حياتهم الجديدة.
استمرت حروب الأديغة ضد روسيا قرابة المئة وعشرين عامًا بصورة مستمرة ولكن لم تكن منظمة ولم تكن تحت قيادة واحدة، أثناء الحملات التوسعية التي شنتها روسيا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر لضم أراضيهم إلى روسيا القيصرية، ولم تقدم لهم أوروبا الغربية أية مساعدات، بالرغم من علمها بما يحدث.[17]
بعد حرب القرم انصب اهتمام روسيا على إقليم القوقاز بدءً بالداغستانوالشيشان. وبعد أن قضت في عام 1859، على الشيخ شامل الداغستاني في شرق القوقاز، نقلت تركيزها على غربه مخضعة أرض الأديغة في 21 مايو1864، لذا يعد هذا اليوم يوم حداد عند شعوب القفقاس.[18] اعتبر الأديغة من الأقليات الإثنية تحت الحكم الروسي، وخضعوا لسياسة إعادة التوطين. كما عانوا من سياسة التذويب تحت الحكم الشيوعي فيما بعد.
التهجير
أدت سيطرة روسيا على أراضي الأديغة إلى موجات من الهجرات القسرية إلى أنحاء الإمبراطورية العثمانية تحت وطأة التهديدات الروسية بالإبادة التامة أو النقل والتوطين في أماكن تحددها القوات الروسية وهي أشبه بمعسكرات الاعتقال. يتواجد أغلب أديغة الشتات حاليا في تركيا وعددهم فيها حوالي خمسة ملايين نسمة، كما توجد مجتمعات كبيرة منهم في الأردن وعددهم حوالي 200 ألف نسمة وفي سوريا وعددهم فيها حوالي ربع مليون نسمة (250 ألف نسمة) وهناك عشرات الآلاف منهم في كل من لبنانومصروفلسطينوليبياوجمهورية مقدونيا؛ وكذلك في الولايات المتحدة كهجرة ثانية. كما استقرت جماعة من الشركس في بلغاريا في أعوام 1864 و1865، إلا أن معظمهم غادرها عندما استقلت بلغاريا عن الإمبراطورية العثمانية عام 1878، إذ يقدر عددهم فيها حاليًا بحوالي 1300 نسمة فقط.
صورة مأخوذة من داخل قلعة محمد علي تظهر السور الذي قفز فوقه الفرسان الشركس للنجاة بحياتهم
تواجد الشراكسة في مصر قبل وصول موجة الهجرة إليها عقب عام 1864. فقد تواجد الشراكسة كسلاطين وأمراء وقادة في مصروبلاد الشاموالحجاز ضمن دولة السلطنة الشركسية التي استطاعوا تأسيسها والتي يسميها المؤرخون دولة المماليك البرجية أو الشركسية والتي استمرت في الحكم من عام 1382 إلى الفتح العثماني لمصر عام 1517، بعد هزيمتهم في معركة الريدانية. وقد تواجد الشراكسة في مصر وبلاد الشام قبل ذلك كجنود وفرسان وأمراء وقادة للجيوش في صفوف قوات جيوش الدولة الأيوبية، ثم كفرسان وقادة وأمراء وسلاطين ضمن ما يسميه المؤرخون دولة المماليك البحرية أو الترك. كما استمر تواجد الشراكسة في ظل الحكم العثماني بصفة أمراء وقادة عسكريين تحت مسميات مختلفة كشيخ البلد وأمير الحج والكشاف (أي المحافظين والمتصرفين) إلى أن قضى محمد علي باشا عليهم في عام 1811 فيما يعرف بمذبحة القلعة.[17]
ولكنهم استمروا بالظهور بعد تلك المذبحة المشؤومة كجنود وقادة وسياسيين في الدولة المصرية تحت خكم محمد علي باشا وأبناءه وأحفاده من بعده، حيث ظهر المئات من القادة العسكريين والساسة المتميزين الذين تقلدوا أعلى المناصب العسكرية والسياسية، وتقلدوا المناصب الوزارية الكثيرة، والعديد من مناصب رئاسة الوزارة المصرية ورئاسة الديوان الخديوي أو الملكي وهي أعلى المناصب السياسية.
في الأردن، استقر معظمهم في عمان منذ عام 1878 م،[22] وفيها بنوا أولى البيوت الطينية في المنطقة وأنشأوا الأحياء الشركسية التي لا تزال حتى الآن تعرف بأحياء المهاجرين والشابسوغ والقبرطاي، ونزلوا قرب خرائب جرش القديمة، حيث أعادوا استصلاحها وإعمارها وسكنوها بعد أن كانت خرائب مهجورة. , وبنى آخرون منهم مدنا أخرى مثل وادي السيروناعوروالرصيفةوصويلح، وساعدوا إخوتهم الشيشان في بناء مدينة الزرقاءكما ساعدهم الشيشان في بناء مدينةصويلح وبنى الشيشان لوحدهم مدينتي السخنةوالأزرق الجنوبي وذلك خلال هجرات شركسية وشيشانية بأوقات مختلفة منذ عام 1878 وحتى عام 1910م. كما توجه الكثير من الشراكسة للسكنى في منطقة بيادر وادي السيرومرج الحمام وطريق السلام من ضواحي ناعور في نهاية القرن العشرين وأوائل هذا القرن.
يقدر عدد الشركس والشيشان وداغستانيين في الأردن وحدها بما يقارب الـ 150 ألف نسمة.[23] أما مجموع شراكسة الشتات حول العالم والذي كان يقدر بثلاثة ملايين نسمة قبل سنوات،[24] فمن المرجح أن عددهم قد زاد بعد هذه السنوات حيث يمكن أن يقدر بخمسة ملايين نسمة.[25] وللشركس في الأردن أربعة مقاعد في البرلمان حسب الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة.[26] وقد اتخذ منهم حكام الأردن حرسًا ملكيًا خاصًا، بلباسهم القوقازي التقليدي.
و بالرغم من أن عددا قليلا من الشراكسة التحقوا للخدمة مع الجيش الفرنسي الذي احتل سوريا لتنفيذ الانتداب الفرنسي المفروض عليها، تحت وطأة العوز والحاجة إلا أنهم حاولوا أن يكونوا دائما مع أماني الشعب السوري في التحرر والاستقلال، وظهرت حالات كثيرة ساعد فيها منتسبوا الجيش من الشراكسة الشعب السوري والثورة السورية إما بانضمام صريح أو بطرق أخرى غير مباشرة. وعند جلاء الاحتلال الفرنسي عن البلاد سارع الشراكسة لتأييد الجمهورية السورية الوليدة برئاسة الرئيس شكري القوتلي وشكلوا واحدة من أولى وحدات الجيش السوري الوطني الجديد من عدة مئات من المتطوعين الشراكسة. وقد شارك المتطوعون والجنود الشراكسة في حرب 1948. كما قتل المئات من الشراكسة في في كل من حرب الأيام الستةوحرب 1973. ومن أهم هؤلاء الضابط جواد أنزور ألف عنه الأديب عبد السلام العجيلي قصة بعنوان (السيف والتابوت) تتحدث عن قصة مقتله بعد نجاحه مع فرقته الشركسية في استرداد موقع (تل العزيزيات) الإستراتيجي من الجيش الإسرائيلي مرتين.
ويقدر عدد الشراكسة في سوريا بحوالي ربع مليون نسمة (250ألف نسمة)، ويتكونون من مختلف القبائل الشركسية وأغلبيتهم من الأبزاخ والقبردي والشابسوغ والبزادوغ.ويحافظون بصورة جيدة على لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم الشركسية.و لهم جمعية خيرية أنشأت باسم جمعية المقاصد الخيرية الشركسية عام 1948م، وتم تغيير اسمها للجمعية الخيرية الشركسية قبل بضعة سنوات فقط. ويوجد للجمعية فروع عديدة في مختلف المدن السورية.
وقد ساهم الشراكسة في بناء وتطوير الوطن السوري في مختلف النواحي السياسية والعسكرية والاجتماعية والعلمية والثقافية. وبرز منهم الكثير من القادة العسكريين الذين حصلو بتفانيهم على أعلى الرتب العسكرية السورية وهي رتبتي العماد وتليها رتبة اللواء ثم العميد.كما برز منهم الوزير والكثيرين من وكلاء الوزارات والمدراء العامين ونواب مجلس الشعب والمحافظين. كما برز منهم العديد من الأدباء والعلماء والصحافيين والأبطال الرياضيين والفنانيين المبدعين.
فلسطين
وفي فلسطين، استقر الشراكسة في منطقة الجليل، حيث أنشأوا قريتي الريحانيةوكفر كما، ويبلغ عدد الشراكسة في القريتين حوالي خمسة آلاف نسمة فقط، ومعظمهم من قبائل الأبزاخ والشابسوغ الشركسية. سكان القرية يتكلمون أربع لغات، الشركسية، العبرية والعربية والإنجليزية.[29]
الأديغة والشيشان
الأديغة والشيشان شعبان مختلفان يجمعهم الدينوالجغرافياوالتاريخ، فالأديغة هم من قبائل ذات أكثرية مسلمة تعيش أصلاً في منطقة غرب شمال جبال القفقاس، ويعتقد البعض بأنهم من سلالات الحيثيين. ويجاورهم الشيشانوالداغستان وشعوب أخرى في المنطقة، اعتنق معظمهم الإسلام أيضًا، ولذلك خلط الناس بينهم، وخاصةً أن لباس الرجل الشيشاني التقليدي فيه شبه كبير لما يلبسه الأديغة، كما إن فروق أصول اللغة واضحة بينهم وبين الشيشان، بالإضافة إلى الاختلاف في العاداتوالتقاليد والأكلات الشعبية وغيرها.
تعرض كلا الشعبين لتهجير معظمهم من ديارهم إثر خسارتهم الحرب ضد روسيا القيصرية، وحدث ذلك في الوقت واحد، وقد ساهم العثمانيون بتسكينهم في مناطق مختلفة تابعة لنفوذهم،[30][31][32] إلا أن أعداد المهجرين الشيشان في بلاد الشام تقل بنسبة كبيرة عن المهجرين الأديغة.
^"Who are the Chechens?"(PDF). مؤرشف من الأصل في 2006-09-15. by Johanna Nichols, University of California, Berkeley.
^Dunlop p.29ff. Dunlop writes (p.30): "In 1860, according to Soviet-era figures, 81,360 Chechens left for Turkey; a second emigration took place in 1865, when an additional 22,500 Chechens left. More than 100,000 Chechens were thus ethnically 'cleansed' during this process. This was perhaps a majority of their total population..."