الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر) قام بالتصحيح والمراجعة العلمية: أ/ محمد عبد الرحمن الشاغول الدكتور/ حسين آتاي (عضو هيئة التدريس بكلية الإلهيات بجامعة أنقرة) كلود سلامة
تبصرة الأدلة في أصول الدين هو كتاب في أصول الدينوعلم الكلام من تأليف الإمام أبو المعين النسفي الحنفي (ت 508هـ)، أحد أشهر علماء الماتريدية. وهو من أهم كتبه الكلامية وأكبرها حجماً وأكثرها توسعاً وأشهرها بين علماء الكلام، حتى أصبح يطلق على أبي المعين صاحب التبصرة.
يُعد هذا الكتاب أصلاً أصيلاً من كتب العقيدة الإسلامية على مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقة الإمام أبي منصور الماتريدي، كما يُعد المرجع الثاني في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب التوحيد لمؤسس المذهب أبي منصور الماتريدي. ولكن كتاب التبصرة أكثر شمولاً وتفصيلاً وأوضح أسلوباً. وهو عبارة عن عرض لعقائد الماتريدية، ورد على مخالفيهم، وخصوصاً المعتزلةوالكرامية. وقد حوى الكتاب جزءاً كبيراً تم تخصيصه للنقاش مع المعتزلة والرد على مقولاتهم، التي أثاروها منذ نشأة علم الكلام، وفي الكتاب ما يشير إلى استمرار وجود المعتزلة إلى زمن المؤلف، حيث يذكر أحياناً عبارة «بعض المعتزلة في زماننا» أو «في ديارنا». كما أن المؤلف في كثير من المواضع يتصدّى للرد على الأشاعرة والنقاش معهم، مبدياً توافقاً أحياناً واختلافاً أحياناً أخرى بينه وبينهم، كما يرد على كثير من الفرق الكلامية والمذاهب غير الإسلامية.[1]
أيضا لا يوجد أحداً ممن كتب رسائل ماجستير أو دكتوراه أو قدم بحوثاً للترقية تتناول مقارنات بين الأشاعرة والماتريدية إلا وكان المصدر الرئيسي عنده تبصرة الأدلة.
يوضح الكتاب بصدق وعمق وموضوعية كل ما يتصل بالمذهب الماتريدي، وأيضا ما يتصل بالمذهب الأشعري، والمذاهب الاعتزالية لكثرة المقارنات الجادة فيه.
تبصرة الأدلة في علم الكلام أشبه بالموسوعات حيث يشتمل على جل مسائل علم الكلام مبتدئاً بالعلم والمعارف، فقضايا الإلهيات والنبوات والسمعيات، ومنتهياً بقضايا الإمامة، عارضاً ومناقشاً ومحللاً ومدللاً. ولقد اضطر البحث العميق أبا المعين النسفي إلى إدخال مباحث نحويةوفقهيةوأصوليةومنطقية ليدعم بها كلامه.
مع العمق والاستفاضة في تناول النسفي للمسائل الكلامية في كتابه التبصرة، إلا أن القارئ سيلاحظ سهولة الأسلوب في الغالب، ووضوح العرض، وقوة الأدلة العقلية والنقلية، بحيث لا يضطر إلى الوقوف طويلاً كما يحدث مثلاً في أثناء قراءة شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني، والمقاصد وشرحه لسعد الدين التفتازاني.
ولأهمية مخطوط تبصرة الأدلة في الدراسات العقدية المقارنة وأهمية مؤلفه في جمع وتنظيم وتوضيح الفكر الماتريدي، والدفاع عن مذهب أهل السنة والجماعة، قام الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى (أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر) بتحقيق الكتاب، وتقدم به لنيل الدكتوراه من قسم العقيدة والفلسفة - بكلية أصول الدين بالقاهرة - جامعة الأزهر، وأجيزت الرسالة، وحصل بها على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف من لجنة المناقشة بالكلية، وذلك في عام 1977م. وكان المناقشان لها هما:
وكان المشرف هو: أ.د/ محمد شمس الدين إبراهيم - الأستاذ المتفرغ بقسم العقيدة والفلسفة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
والذي يوضح أهميته أيضاً ما قاله حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون: «تبصرة الأدلة في الكلام: مجلد ضخم للشيخ الإمام أبي المعين ميمون بن محمد النسفي المتوفى سنة ثمان وخمسمائة. أوله: (أحمد الله تعالى على مننه... الخ). جمع فيه ما جل من الدلائل في المسائل الاعتقادية، وبين ما كان عليه مشايخ أهل السنة، وأبطل مذاهب خصومهم، معرضاً عن الاشتغال بإيراد ما دق من الدلائل، سالكاً طريقة التوسط في العبارة، بين الإطناب والإشارة، فجاء كتاباً مفيداً إلى الغاية، ومن نظر فيه علم أن متن العقائد لعمر النسفي، كالفهرس لهذا الكتاب».[3]
ويمكن القول: إن كتب علم الكلام الماتريدي التي أتت بعده لم تبلغ منزلته في الأهمية والشمول، وإن جاءت ببعض التفصيلات الهامة هنا وهناك. ويعتبر أبو الميعن النفسي من أفضل من عَرَض المذهب الماتريدي متميزاً عن بقية المذاهب السنية بشكل واضح وواع لهذا المذهب، وإن كان في بعض الأحيان يخالف الماتريدي في بعض آرائه. إلى جانب ذلك، يُعد كتاب التبصرة مصدراً هاماً لعرض آراء كثير من المتكلمين من الفرق الكلامية السابقة والمعاصرة له. فمؤلفه أبو المعين النسفي توفي عام 508هـ في زمن وصل فيه علم الكلام إلى مرحلة النضوج بعد أن اجتاز مرحلة التأسيس ومرحلة قيام الفرق الكلامية المختلفة.[1]
نبذة عن المؤلف
لقد كان أبو المعين النسفي من العلماء الأعلام المشهود لهم بغزارة العلم وكان أصولياً فقيهاً متبحراً في العلوم والمعارف، ويعد من أهم وأبرز علماء علم الكلام على مر العصور. فقد حظي بمكانة عالية في علم الكلام والمناظرة ومؤلفاته تشهد بذلك كتبصرة الأدلة، وبحر الكلام، والتمهيد لقواعد التوحيد. واعترف معاصروه بفضله، وكان همزة الوصل بين السلف والخلف، نقل عن السلف كالماتريديوالأشعري، وأخذ عنه الخلف كالإيجيوالتفتازاني وغيرهما.[4]
ويعتبر الإمام أبو المعين النسفي علماً من الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أبي منصور الماتريدي، ونهجوا منهجه في الاحتجاج، وسلكوا مسلكه في سبيل إعلاء كلمة الحق، فهو يدحض شبه المخالفين وانحرافاتهم بالدليل العقلي والنقلي، وكثيرا ما يتصدى للمعتزلة وبقية الفرق المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة، ويستشهد لمعتقده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والأئمة المجتهدين.
ويعد أبو المعين النسفي من أهم وأشهر علماء الماتريدية من بعد مؤسسها أبو منصور الماتريدي، وهو المدافع الأول عن آراء الماتريدي، وهو في الماتريدية كالباقلانيوالجوينيوالغزاليوالفخر الرازي في الأشعرية، كما أن كتبه في الماتريدية تأخذ أهمية كتب الشهرستاني في المذهب الأشعري، وقد ناصر مذهب الماتريدي بقوة، وزاد المذهب شرحاً وتفصيلاً، واهتم بالدفاع عنه ورد على آراء خصوم الماتريدية من معتزلةوجهميةوكراميةوباطنية وغيرهم، وقد ذكره رفيع الدين الشرواني في الطبقة السادسة في «طبقات أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة»، ومن أهم كتبه: تبصرة الأدلة، والتمهيد، وبحر الكلام.[5]
عاش الإمام أبو المعين النسفي في القرن الخامس وأوائل القرن السادس الهجري في بلاد ما وراء النهر (آسيا الوسطى حالياً) من بلاد المشرق الإسلامي. كان عصره من أزهى العصور الإسلامية علما في الشرق، فقد كثر فيه النبغاء في كل علم وفن والسبب في ذلك أن الدولة العباسية قد شجعت على العلم بمختلف أنواعه لا سيما حرية الفكر والنظر، فكثرت المذاهب واختلفت الآراء وظهرت الفرق، ولعل هذا كان هو السبب في شحذ همة أبي المعين لتأليف عدة كتب في علم الكلام للرد على الفرق المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة.[7]
ويعتبر أبو المعين النسفي من أهم علماء المدرسة الماتريدية لما يلي:[6]
^ ابانظر مقدمة كتاب: تبصرة الأدلة في أصول الدين على طريقة الإمام أبي منصور الماتريدي، تأليف: أبي المعين ميمون بن محمد النسفي، تحقيق وتعليق: كلود سلامة، الناشر: المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية بدمشق.
^كتاب: تبصرة الأدلة في أصول الدين، تأليف: أبي المعين ميمون النسفي الماتريدي، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث - الجزيرة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 2011م، الجزء الأول، ص: 4-5.
^كتاب: بحر الكلام، دراسة وتعليق: د. ولي الدين محمد صالح الفرفور، الطبعة الثانية: 2000م، ص: 38.
^كتاب: الفرق الكلامية الإسلامية (مدخل ودراسة)، تأليف: علي عبد الفتاح المغربي، الناشر: مكتبه وهبة، الطبعة الثانية: 1995م، ص: 331.
^ ابكتاب: تبصرة الأدلة في أصول الدين، تأليف: أبي المعين ميمون النسفي الماتريدي، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث - الجزيرة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 2011م، الجزء الأول، ص: 4.
^كتاب: بحر الكلام، دراسة وتعليق: د. ولي الدين محمد صالح الفرفور، الطبعة الثانية: 2000م، ص: 36.