هو عزير (عزرا) بن شريه بن خلقيه بن عزريه بن شالوم بن صدوق بن أخطب بن أمريه بن عزريه بن يوحنان بن عزريه بن أخيمعص بن صدوق بن أخطب بن أمريه بن ماريوت بن زرحيه بن عازي بن بقي بن أبيشوع بن فنحاس بن العزار بن نبي الله هارون بن عمران بن قاهات بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
مرت الأيام على بني إسرائيل في فلسطين، وانحرفوا كثير عن منهج الله عز وجل. فبمعرفة الله الغيبية، أراد الله أن يجدد دينهم، بعد أن فقدوا التوراة ونسوا كثيرا من آياتها.
مر عزير على هذه القرية - وهي بيت المقدس على المشهور، بعد أن خربها بختنصر وقتل أهلها - وهي خاوية ليس فيها أحد، فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة، وقال كما ذكر في القران الكريم ﴿أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ﴾وذلك لما رأى من دثورها، وشدة خرابها، وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه.[4]
كان عزير رجلا صالحا حافظا للتوراة، فبينما كان ماشياً على حماره في حين من الأثناء، مر عزير على قرية خاوية ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، وقال:﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فأماته الله مئة عام. قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه. فأرسل الله له ملكا في صورة بشر:﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾ فأجاب عزير:﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾. نمت يوما أو جزءا من اليوم. فرد الملك:﴿قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ﴾. ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل ﴿فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة، فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه أو ريحه. ثم أشار له إلى حماره، فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم. ثم بين له الملك السر في ذلك ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾. ويختتم كلامه بأمر عجيب ﴿وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه، ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس. فسألهم:هل تعرفون عزيرا؟ قالوا:نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة. فقال لهم:أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك. ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير. فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ﴾. وقد ذكر الله قصته هذه في سورة البقرة الآية 259 حيث قال:﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٥٩﴾.[5]
في السنة النبوية
وفي السنة النبوية ,قال محمد بن إسحاق بن يسار، رحمه الله، في كتاب "السيرة": وجلس رسول الله يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المسجد غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، وتلا عليه وعليهم ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ:﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾, ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله السهمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا ولا قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدا: كل ما يعبد( من دون الله في جهنم مع من عبده، فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرا، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس، من قول عبد الله بن الزبعرى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته[6]
قال ابن عادل:جواب الذي ذكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين. فإن قيل: الشياطين عقلاء ولفظ «مَا» لا يتناولهم، فكيف قال ذلك؟ قلنا: كأنه - عليه السلام - قال: لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضاً غير لازم من هذا الوجه.[7]
مخطوطة عزير عليه السلام
وروي في حديث اخر, عن عبد الله بن عباس:جاء عبدُاللهِ بنُ الزبعرى إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:يا محمَّدُ، تزعُمُ أنَّ اللهَ أنزَل عليك هذه الآيةَ:﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء:98]، فقدْ عُبِدَتِ الشَّمسُوالقَمرُوالملائكةُ، وعُزَيْرٌ وعيسى صَلَواتُ اللهِ عليهم، أَوَكلُّ هؤلاء في النَّارِ مع آلهَتِنا؟ فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ:﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء:101]، ونزلت:﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾[الزخرف:57]، قال شعيب الأرناؤوط:إسناده قوي.[8] في بَعْضِ كُتُبِ العَرَبِيَّةِ وأنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قالَ لِابْنِ الزِّبَعْرى:ما أجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ إنِّي قُلْتُ (وما تَعْبُدُونَ)، و(ما) لِما لا يَعْقِلُ ولَمْ أقُلْ (ومَن تَعْبُدُونَ»[9]
قال محمد الأمين الشنقيطي عن ذات الآية :"والآية المذكورة إنما عبر الله فيها بلفظة (مَا) التي هي في الموضع العربي لغير العقلاء ؛ لأنه قال:﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ، ولم يقل:" ومن " تعبدون ، وذلك صريح في أن المراد الأصنام ، وأنه لا يتناول عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة ، كما أوضح تعالى أنه لم يرد ذلك بقوله تعالى بعده:﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾.وإذا كانوا يعلمون من لغتهم أن الآية الكريمة ، لم تتناول عيسى بمقتضى لسانهم العربي ، الذي نزل به القرآن ، تحققنا أنهم ما ضربوا عيسى مثلا ، إلا لأجل الجدل ، والخصومة بالباطل[10]
وذكر حديث ان :حدثنا بشر, قال ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة, قال:لما ذكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش:يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى؟ قال:وقالوا:إنما يريد أن نحبه كما أحبَّت النصارى عيسى. وقال آخرون:بل عنى بذلك قول الله عزّ وجلّ ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ قيل المشركين عند نزولها:قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة, لأن كل هؤلاء مما يعبد من دون الله قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ وقالوا: أآلهتنا خير أم هو؟.[11]
وفي كتاب تفسير مقاتل بن سليمان قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لليهود: أدعوكم إلى الله- عز وجل- وأنذركم بأسه فإن تتوبوا يكفر عنكم سيئاتكم، ويؤتكم أجوركم مرتين. فقال كعب ابن الأشرف، وكعب بن أسيد، وحيي بن أخطب، وفنحاص اليهودي، من أهل قينقاع: أليس عزير ولد الله فأدعوه ولدا لله؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بالله أن أدعو لله- تبارك وتعالى- ولدا. ولكن عزير عبد الله داخر: يعني صاغرا ، قالوا فإنا نجده في كتابنا وحدثتنا به آباؤنا، فاعتزلهم النبي[12]
وروي في حديث اخر عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال:أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود:سلام بن مشكم، والنعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا:كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرًا ابن الله؟ فأنزل الله عز وجل:﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّه﴾.[13][14]
في اثار السلف
ونقل روى ابن عساكر، عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى:﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّه﴾[التوبة:30]. لم قالوا ذلك ؟ فذكر له ابن سلام ما كان من كتبه لبني إسرائيل التوراة من حفظه، وقول بني إسرائيل:لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب، وإن عزيرا قد جاءنا بها من غير كتاب. فرماه طوائف منهم، وقالوا: عزير ابن الله[15]
ونقل ابن جرير وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي قال: إن اليهود والنصارى قالوا: اتخذ الله ولدا، وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل، فأنزل الله هذه الآية: ﴿وقل الحمد لله﴾ إلى آخرها.[16]
وقد ذكر عن كعب الأحبار، قال:دعا عُزَيرٌ ربَّه أن يُلَقّى التوراة كما أنزَل على موسى في قلبه، فأنزَلها الله عليه، فبعد ذلك قالوا:عزيرٌ ابن الله.[17]
وقد ذكر الجاحظ ان فريقًا من بقايا القائلين ببنوة عزير لله سبحانه كانوا لا يزالون في عصره باليمنوالشام وداخل بلاد الروم. وقد ورد عند ابن حزم ان الذين كانوا يقولون ذلك هم طائفة الصدوقيين باليمن. وكانت بينه وبين مواطنه ابن الغزيلة اليهودي مجادلات من هذا النوع ، فلم لم يكذبه فيما قاله من ان طائفة من بني دينه تدين بنوة عزير لله.[18]
وقد ذكر مفتى محمد رفيع العثماني: «وقد أخبرني بعض كبرائنا الثقات؛ أي: مخدومنا الحاج أمير شاه خان - رحمه الله - أنه بالغ في تفتيش ما زعمته يهود عصره في مسألة ابنية عزير عليه السلام، واجتهد في تحقيقه غاية الجهد، فتبرأ كل يهودي لقيه من هذا الاعتقاد الشنيع، حتى لقي بعض علمائهم ببيت المقدس وسأله، اعترف بأن فيهم شرذمة قليلة تزعم أن عزير ابن الله وهم موجودون الآن، وعددهم لا يزيد على مائة ألف في العالم، قال: ثم لقيت بعض الأفراد تلك الفرقة، وشافهتهم وهم في نهاية من الذلة والصغار، يقال لهم: العزيرية ولواحدهم العزيري فسألته، فأقر بما أخبرت به، وقال: نؤمن بأن عزير ابن الله من غير شك وتردد، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.[20]
فيما نجد أن موقف بعض مفسريالقرآن الكريم يسير بشكل شبه مقارب للآراء السابقة. فالقرطبي على سبيل المثال علّق على هذه المسألة بقوله:(هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص، لأنه ليس كل اليهود قالوا ذلك، وهذا مثل قوله تعالى:﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ١٧٣﴾[21]سورة آل عمران، الآية 173. وقيل:إن من كان يقولها كانوا في زمان وقد انقضوا، وهذا متوجه للذم إليهم لأن بعضهم قد قاله، وعاضد هذا القول النقاش، فقال:(لم يبق يهودي يقولها بل قد انقرضوا).[22]
في سفر ايوب (1:6) تلقب الملائكة بلقب ابن الله[23][24]وكذلك يطلقه اليهود على أي شخص تقيّ كما هو واضح بحسب الموسوعة اليهودية التي تنص على أن لقب ابن الله يطلقه اليهود "على كل من وضعت تقواه عليه" له في علاقة بنوية مع الله،[25] وأيضا يصف بنو إسرائيل أنفسهم بأنهم "أبناء الرب".[26]واليهود يلقبه التوراة بلقب ابنة الله.[27]
وقال ابن عطية عن يهود المدينة: ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة، وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه، وهو كفر لمكان الإشكال الذي يدخل من جهة التناسل، وكذلك كفرت اليهود في قولهم: عزير ابن الله، وقولهم: نحن أبناء الله، وإنما توجد في كلام العرب استعارة البنوة عبارة عن نسب وملازمات تكون بين الأشياء إذا لم يشكل الأمر وكان أمر النسل من الاستحالة، زمن ذلك قول عبد الملك بن مروان: وقد زبنتنا الحرب وزبناها، فنحن بنوها وهي أمنا. يريد الملازمة، ومن ذلك قول حريث بن محصن:[28]